جامع الامام محمد بن عبدالوهاب
خطبة "الذكر وأثره على الأمة"

  17-01-2017
اضغط على الصورة لعرضها بالحجم الطبيعي‏خطبة جامع الإمام الشيخ عبدالله بن محمد النعمة بعنوان "الذكر وأثره على الأمة" بتاريخ الأول من ربيع الآخر 1438هـ الموافق 30 ديسمبر 2016ملينك الاستماع: https://www.mediafire.com/?5vhzh6m3j43txmnالخطبة الأولى:أيها المسلمون.. في غمرة الحياة المادية واللهاث وراء المتع الحسية، وما أسفرت عنه من شيوع أحوال القلق والاكتئاب والملل والاضطراب، وفي خضم ما منيت به الأمة من أحداثٍ ومتغيراتٍ، شغلت الناس بالمتابعات والتحليلات ، انبثق عن ذلك كله، التغرب عن الحياة الهانئة المطمئنة، علاوة على ما قذفت به الحضارة المزعومة والمدنية الزائفة من سموم و هموم وأمراض قلب وغموم، على إثرها انغمس نور الإيمان وبهت وهج الإحسان، وانقطع عن الذكر المشع اللسان "نسوا الله فأنساهم أنفسهم" استوحشت النفوس، و قست القلوب، وطغت موجات من الهلع والاضطراب، وظهر الخوف من المستقبل وعلى المستقبل. عباد الله ... ليست الحياة بقوة الجسد، أو التزود من عرض الدنيا، أو بالجاه والنسب، بل الحياة حياة القلوب. "فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور".معاشر المسلمين، حديثنا في هذه الخطبة عن نوع من أنواع العبادة التي ركز الإسلام عليها، و نبَّهَ إلى أهميتها، عبادةٌ من أسهل ما يقال، وأخف ما يعمل، وأيسر ما يحمل، ولكنها أكبر شيء في الميزان، وأحب شيء إلى الرحمن، وأجل سعي للإنسان، فلا يضارعها خير. هي صدقة بلا مال، وجهاد بلا قتال، ومرابطة بلا انتقال، ومجاهدة بلا مشقة.. روى الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بخير أعمالكم و أزكاها عند مليككم و أرفعها في درجاتكم و خير لكم من إنفاق الذهب و الورق و خير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم و يضربوا أعناقكم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : "ذكر الله."‏فلا إله إلا الله كم للذكر من حسنات ورفعة في الدرجات، هو الروح والحياة، ونسيان الله هو الهلاك والممات، أخرج البخاري عن أبي موسى الأشعري ‏رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت" اخرج الترمذي عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه أن رجلا ‏جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو كثرة شرائع الإسلام عليه ويطلب منه إرشاده إلى ما يتمسك به ليصل به إلى الجنة، فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "‏لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله" ، إلا أنه بمثل هؤلاء يستنزل النصر، ويحل الظفر، وتنجوا الأمة من هزائمها وانتكاساتها".يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكر الله كثيرا لعلكم تفلحون". ‏أورد الإمام الذهبي -رحمه الله- في السير أن قتيبة بن مسلم سأل في إحدى معاركه عن الإمام العابد محمد بن واسع، وقد حمي الوطيس، فقيل هو في مصلاه، رافعا سبابته يذكر الله عز وجل، فقال: "والله لأصبع ‏محمد بن واسع أحب إلى الله من ألف شاب طرير، وألف سيف شهير "، الله أكبر تأملوا عباد الله أثر الذكر والذاكرين في انتشال الأمة من مأزقها وانتصاراتها على أعدائها. ‏ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول عز وجل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملا ذكرته في ملأ خير منهم‏)، هل بعد هذه المنزلة من منزلة ، ذكر الله لك في الملأ الأعلى وثناءه عليك، فيا ذاكرا لربه لا تخشى غما، ولا تشتك هما، ولا يصبك قلق ما دام قرينك هو ذكر الله. إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحيانا فننتكس يصف ابن القيم حال من ترك الذكر قائلاً: (وهي منزلة القوم ، التي متى فارقتها صارت الأجساد لها قبورا، وعمارة ديارهم التي تعطلت عنها، صارت بورا)، ‏فيا عجبا عباد الله أن نرى من المسلمين من وقع في أوحال الغفلة، وقد ضرب عليهم النسيان بظلمته ، وأستعجم عليهم اللسان برمته، فلا يذكرون إلى الهذر، واللغو والغيبة والنميمة، والولوغ في أعراض المسلمين، فلا يدور ‏لذكر الرحمن على لسانهم حال "ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين" أولئك قوم استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله.قال ابن عباس رضي الله عنهما: "الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سهى وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس".‏عباد الله ها نحن ننظر إلى صرعى الغفلة وقلة الذكر، ننظر إلى ظلمات البيوت الخاوية من ذكر الله تعالى، ننظر إلى المسحورين وقد تسللت إليهم أيدي المشعوذين، ‏أولا نتفكر في كثير من المبتلين بمس، تقلبون تقلب الأسير، فلا يقر لهم قرار، ولا يهدأ لهم بال، ولو تساءلنا، أين هؤلاء من ذكر الله، أين هم من تلك الحصون الحصينة، الحروز الأمينة، فإن لدخول المنزل ذكرا، وللخروج منه ذكرا، ‏وللنوم ذكرا، وللصباح والمساء ذكرا، بل وفي كل شيء ذكرا، أسوة بما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ‏فيا عجبا للحضارة المعاصرة، كثر فيها المثقفون، وشاعت فيها المعارف والفنون، ومع ذلك كله، أنتشر اضطراب الأعصاب وإمراض النفوس، وعمت الكآبة على الكثيرين. والواقع عباد الله أنه إنما خذل من خذل بسبب خواء القلوب والبعد عن ذكر الله و الانقطاع عنه.‏والإنسان مهما قوي فهو ضعيف، ومهما علم فعلمه قاصر، وحاجته إلى ربه أشد من حاجة إلى الماء والهواء، وذكر الله في النوازل عزاء للمسلم وتقوية للقلوب ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ‏ولو تنبه المسلمون لهذا، والتزموا والأوراد والأذكار لما تجرأ عليهم أحد، ولا تكدر صفو، ولا تنقص هناء. قال الحسن البصري رحمه الله: "تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة، وفي الذكر، وقراءة القرآن، فإن وجدتم وإلا فاعلموا أن الباب مغلق".‏وأكثر ذكره في الأرض دأباً لِتُذكرٓ في السماء إذا ذكرتا وناد إذا سجدت له اعترافاًبما ناداه ذو النون بن متى لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، يقول معاذ بن جبل رضي الله عنه:"ما من شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله".الخطبة الثانية:‏اتقوا الله معشر المسلمين، و أكثروا من ذكر رب العالمين، وحق للسائل أن يسأل، ما بال اذكر مع خفته على اللسان وقلة التعب منه، صار انفع وأفضل من جملة العبادات مع المشقات المتكررة فيها...؟ والجواب: هو أن الله سبحانه جعل لسائر العبادات مقدارا، وجعل ‏لها أوقاتاً محددة، ولم يجعل لذكر الله مقدارا ولا وقتاً، بل أمر بالإكثار منه بغير مقدار.ثم ليعلم كل مسلم، أن ذكر الله عز وجل له مفهوم واسع شامل ، وفي هذا يقول سعيد بن جبير رحمه الله: كل عامل بطاعة الله، فهو ذاكر الله تعالى"، فقد يكون الذاكر بالقلب وهو أن يتفكر الإنسان في أسماء الله وصفاته وأحكامه وآياته .وقد يكون بالجوارح ، فإن كل فعل تفعله متقرباً به إلى الله متبعاً فيه رسول الله صلى الله على وسلم ، فهو من ذكر الله، فالصلاة ذكر، وبر الوالدين ذكر، وصلة الأرحام ذكر، بل والدين كله ذكر الله . أما ذكر الله باللسان فهو ظاهر ويشتمل كل قول يقترب به العبد إلى الله من التهليل والتسبيح والتكبير وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .فعلى هذه الآلة الصغيرة ، مدار الذكر باللسان فكم هي مهمة في حياة الإنسان ، فقد تكون سبباً ‏في سعادته وفوزه (وهل ‏يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم" ‏فاشغلوه بذكر الله تعالى ‏فذكر الله اشرف ما يخطر بالبال، و طهر ما يمر بالفم ، ‏وتنطق به الشفتان، ‏حتى يصبح المسلم الذاكر يصحو وينام ‏ويقوم ويقعد، ‏ويغدو ويروح، ‏وفي أعماقه ‏إحساس بأن ‏دقات قلبه، وتقلبات ‏بصره وحركات جوارحه ، ‏وإدبار الليل ‏وإقبال نهار كل ذلك في قبضة الله وتحت قدرته سبحانه "الذين يذكرون الله قيماً وقعوداً وعلى جنوبهم ،و يتفكرون ‏في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقينا عذاب النار".‏واعلموا رحمكم الله، أن أفضل أنواع الذكر هو قراءة القرآن ‏، ثم ما ‏ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأذكار والأدعية الصحيحة وكذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن ‏صلى الله على النبي صلاة صلى الله عليه بها عشراً .

http://www.jameaalemam.com