خطبة جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب الشيخ د. محمد بن حسن المريخي 11 ربيع الآخر 1439هـ الموافق 29 ديسمبر 2017م

  18-01-2018

 الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين أرسل الرسل وأنزل الكتب وبين الآيات ليدلل على توحيده وانفراده بالعبودية، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وشريعته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد، فيا أيها المسلمون .. أوصيكم بتقوى الله وطاعته وتوحيده وعبادته ومراقبته.

عباد الله .. أفمن يخلق كمن لا يخلق؟ ومن يرزق وينعم كمن لا حيلة له ولا قوة؟

إن من الظلم بل من أعظم الظلم أن يُساوى بين المعطي سبحانه وعبده المخلوق، أو يعبد معه مخلوق ضعيف لا حول له ولا قوة "أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون".

إن أكبر ذنب يرتكبه العبد في حياته هو الشرك بالله جل وعلا فيجعل لله نداً وهو خلقه، ويصرف شكر النعم لغيره وهو رزقه ويبذل لغيره وهو أعطاه وسواه "يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم".

إن حقيقة الشرك – عباد الله -  هو أن يجعل العبد شيئاً من العبادة لغير الله تعالى كالدعاء والذبح والنذر والخوف والرجاء والرغبة والرهبة بالإضافة إلى الخضوع والتذلل للأصنام والأوثان والإنس والجان، بقصد عبادتهم من دون الله، "وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا".

لقد سخط الله تعالى على الشرك وأهله وحذر عباده منه ومن أسبابه وما يتعلق به، وأمر بتوحيده والاعتصام والاستعانة به وسؤاله سبحانه، "إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار"، ويقول جل وعلا: "إن الشرك لظلم عظيم"، ووجه التحذير لرسوله مباشرة وللأمة من بعده فقال: "لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين".

وأخبر سبحانه أن المشركين هالكون بشركهم وكفرهم فقال سبحانه: "إن هؤلاء متبَر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون"، -متبر: يعني مهلك - كما أخبر أن الشرك به ذنب لا يغفره الله تعالى فمن مات مشركاً بالله فإنه يخلد في جهنم أبداً كما قال جل جلاله: "ثم لا يموت فيها ولا يحيى"، كما قال سبحانه: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء"، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، - رددها ثلاثاً ثم قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور أو قول الزور" رواه البخاري ومسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق" رواه البخاري ومسلم.

أيها المسلمون .. عندما يسمع البعض من المسلمين التحذير من الشرك والشركيات، يظن أن الشرك فقط هو عبادة إله آخر مع الله تعالى، فإن هذا صحيح، ولكن هناك أمور أخرى شركية وكفرية أيضاً وخاصة في هذا الزمان الذي نعيشه والذي أرخى البعض حبل التقوى أو حبل التمسك بالدين الحق، فتابع اليهود والنصارى، واغتر وغلبته الدنيا ونفسه الأمارة بالسوء وغره طول الأمل، والذي يفزع القلوب ويخوفها هو أن الله تعالى أخبر في كتابه أن أكثر الناس ما هم بمؤمنين فقال عز وجل: "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين"، بل في إيمان بعضهم شرك أو يخالطه شيء من الشرك كالرياء والسمعة والنفاق والتشبه بالكفار ومشاركتهم شركياتهم وكفرياتهم والرضى عنهم ومودتهم، فقال عز وجل: "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون"، وخوّف النبي صلى الله عليه وسلم أمته بأن الشرك في هذه الأمة خفيّ دقيق لا يكاد يرى أو يعرف، فقال: "يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل" حديث حسن، وفي رواية "الشرك في أمتي أخفى من دبيب النمل على الصفا" حديث صحيح، وقال أيضا: "الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل".

أيها المسلمون .. إن التوحيد لله تعالى من أعظم المنن التي يتفضل الله بها على عباده، وذلك للخير العميم الذي ينزل بالعبد المؤمن الموحد في الدنيا والآخرة، من مدافعة الله تعالى عن الموحدين ونصرته لهم وتوفيقهم وتيسير أرزاقهم ودفع البلاء عنهم ودحر أعدائهم، يقول صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" رواه ابن حبان وهو صحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: "أتاني جبريل فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة" رواه البخاري ومسلم.

أيها المسلمون .. إن الفوز بهذه المراتب والدرجات وهذه البشارات لا تكن إلا لمن حرص على دينه وتوحيده لربه جل وعلا ولم يساوم على عقيدته وكان حذراً من الشركيات.

إن أصحاب الصراط السوي لهم براهين وعلامات ورايات يعرفون بها، وذلك لأن اقتضاء الصراط المستقيم يقتضي مخالفة أصحاب الجحيم، ولا يعقل أن يساير المؤمن الموحد الكفار أصحاب الجحيم أو يقرهم على شركيات وخرافات وبدع أو يساوم على عقيدته.

إن أبلى البلاء اليوم أن يتقارب العالم ويجامل الناس على دينهم وعقائدهم، ويستخف البعض بالتحذيرات من مشاركة الكفار في أعيادهم ومناسباتهم التي بنيت على الكفر والشرك فيجالسونهم ويباركون أعيادهم ويودوهم ويفرحونهم ويركنوا إلى ما عندهم من الغفلة عن الله والدار الآخرة، وكل هذا حرام يخشى على الفاعلين لها أن يقعوا في زواجر الشريعة وتحذيراتها.

إن هؤلاء يحتفلون أو يقيمون أعيادهم على الكفر الصريح بالله رب العالمين، كقولهم أو اعتقادهم  إن لله ولداً أو صاحبة، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، "وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله"، "ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون"، وهذا كفر صريح يخلد صاحبه في النار. فإذا جاء المسلم مع هؤلاء فإنه إنما يبارك لهم هذا الكفر ويهنئهم بكفرهم بالله تعالى، لا غير ولا شيء عند الكفار في احتفالاتهم غير الكفر والإلحاد.

من هنا تكون الحرمة في مشاركتهم ومؤانستهم، يقول الله تعالى: "يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين"، وقال تعالى: "فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم"، أي في قلوبهم الشك والريبة والنفاق يسارعون في مودتهم وموالاتهم، ولقد حذر الله تعالى من الرضى بأعيادهم بزيارتهم أثنائها ومباركتهم وتهنئتهم وأخبر أن ذلك يورث النار فقال عز وجل: "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون"، والركون إليهم بمشاركتهم ومودتهم وطاعتهم وموافقتهم والميل إلى الرضى عنهم ومداهنتهم بعد الإنكار عليهم.

ومن هنا جاء تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة من عدم التشبه بهم، يقول رسول الله: "من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أبو داود. والتشبه يورث محبة ومودة وعشقاً وهذه البلية والطامة حين يحب المسلم من أبغضه الله وعاداه وهدده وتوعده، والمشابهة في الظاهر تتبعها مشابهة الباطن نسأل الله العافية.

فاتقوا الله عباد الله واحذروا أعياد الكفار، ثمنوا نعمة الله عليكم بالتوحيد والإيمان، قال الله سبحانه: "فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم".

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم وتاب علي وعليكم وعلى المسلمين، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم وللمسلمين، ثم توبوا إليه واستغفروه إن ربي رحيم ودود.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه وسار على دربه وتمسك بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا أمة الإسلام .. اتقوا الله تعالى واشكروه على نعمة الإسلام والإيمان، اشكروا الله تعالى أن جعلكم مؤمنين موحدين، عرفتم ربكم جل وعلا بينما غيركم والعياذ بالله يعدد الآلهة ويشرك بالله الليل والنهار ويعبد غير الله تعالى، ويشكر غير الله سبحانه وتعالى.

اشكروا الله على نعمة الإيمان، عرفتم الحياة الدنيا وحقيقتها، وعرفتم ما ينتظركم من بعد هذه الحياة، وحثكم الله تعالى وبصركم على التزود للدار الآخرة، وأن هذه الدار لابد أن تنتهي في يوم من الأيام.

أعانكم الله تعالى بفضله ومنته على الإيمان، فعرفكم أنه لابد من الاستعداد لهذه الدار، ويسر لكم الأعمال الصالحة، بينما غيركم لا يعرف إلا هذه الدار.

ومن أراد أن يعرف نعمة الله تعالى بالإيمان بالله رب العالمين وبمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلينظر من كفر بالله وبرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يعرف شيئا عن الحياة الآخرة ولا يعرف حتى عن هذه الدنيا إلا ما ندر.

فاشكروا الله على نعمة الإيمان، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً". تذوق طعم الإيمان، الإيمان له طعم وله ذوق يتذوقه الإنسان بقلبه، متى؟ إذا رضي بالله ربا واستسلم لرب العالمين وعبده وحده لا شريك له، وحقق التوحيد المطلوب ثم تابع محمدا عليه الصلاة والسلام وآمن به نبيا ورسولا ثم رضي بالإسلام دينا، ولم يشرق ولم يغرب "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام"، "قل يا أهل الكتاب لستم على شيء .."، "ولا يدينون دين الحق"، "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون".

اشكروا الله تعالى على نعمة الإيمان، الناس في هذا الأزمان فيهم تساهل وفيهم ارتخاء في المحافظة على الإيمان، وفي الوقوع في الشركيات وفي الحرام، وهذا يرجع عباد الله إلى التدين.

لابد من مراجعة النفس، ولابد من مراجعة الدين، فليراجع المسلم دينه وإيمانه، ولا عيب أن يخطئ الإنسان، ولكن العيب أن يستمر على الخطأ ويبقى على خطئه، واحذروا تحذير الله سبحانه وتعالى "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين"، "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون".

فلنحذر عباد الله من الشرك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الشرك في الأمة أخفى من دبيب النمل، النملة التي تدب وتمشي في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء لا يسمعها إلا الله سبحانه وتعالى، والشرك في هذه الأمة أخفى من ذلك كما صور البني صلى الله عليه وسلم.

أسأل الله أن يحفظنا من الشركيات والكفريات وأن يحفظ علينا ديننا وإيماننا.

هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه كما أمركم ربكم جل وعلا في محكم التنزيل بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما".

 

 

طباعة