‏خطبة الجمعة بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب الشيخ عبدالله بن محمد النعمة 27 شوال 1438هـ الموافق 21 يوليو 2017م بعنوان "المنافقون وخطرهم على الإسلام والمسلمين"

  23-07-2017

 الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك وأن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون".

"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا".

"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما". 

أما بعد .. فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

‏‏لقد مُني الإسلام منذ بزوغ فجره، وظهور أمره وقيام دولة الإسلام في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏بخصوم ألداء، وأعداء خبثاء، يستترون بلباس التقوى، ‏ويكنّون العداء الأكيد والحقد الدفين على الإسلام والمسلمين، ويكمن ‏خطرهم في انخداع الناس بهم، لإظهارهم الإسلام وإبطانهم الكفر ‏والنفاق والضلال، ‏فهم ليسوا بالمؤمنين صدقا فيؤمنون، ولا كفارا ظاهراً فيعرفون ويحذرون "‏مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا"، أولئكم معاشر المسلمين هم المنافقون، أعداء الأمة الذين فرقوا صفوفها، وزعزعوا أمنها، وأردوها ‏موارد السوء والمهالك دون أن ينتبه لخطرهم، ويحذر كيدهم. 

أيها المسلمون .. ‏النفاق داء عضال، وشر ووبال، يكون الرجل ممتلئاً به وهو لا يشعر، فيزعم أنه مصلح وهو مفسد، ويدعي أنه مؤمن وهو أضر على الإسلام من اليهود والنصارى. 

المنافقون أعداء الإسلام والمسلمين وإن رفعوا راية الإسلام في فترةٍ من الفترات، وتحدثوا عنه زمناً من الأزمان، بهدف استقطاب الرأي العام، وجذب مشاعر المسلمين.

نعم هم أعداء للمسلمين، بل إنهم أخطر أعدائهم على الإطلاق، حيث يخفى أمرهم على الكثير من المسلمين.

‏ولقد هتك الله تعالى أستار المنافقين، وكشف أسرارهم في القرآن، وجلّى لعباده أمورهم ليكونوا منهم على حذر وحيطة، ‏وذكر ‏في أول سورة البقرة: ‏المؤمنين والكفار والمنافقين، فذكر في المؤمنين أربع آيات، وفي الكفار آيتين، وفي المنافقين ‏ثلاث عشرة آية، لكثرتهم وعموم الابتلاء بهم، وشدة فتنتهم على الإسلام وأهله، فإن بلية المسلمين بهم شديدة، ‏لأنهم محسوبون عليه،  ‏ومنسوبون إليه، وإلى نصرته وموالاته، وهم أعداؤه في الحقيقة، يخرجون عداوته في كل قالب ‏يظن الجاهل أنه علم وإصلاح، وهو غاية الجهل والإفساد.

 ‏المنافقون –عباد الله-: ‏أحسن الناس أجساماً‏، وأخلبهم لساناً، وألطفهم بياناً، وأخبثهم قلوبًا، وأضعفهم جناناً "وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون".

قال الأوزاعي  رحمه الله: إن المؤمن يقول قليلاً، ويعمل كثيرا، وإن المنافق يتكلم كثيراً ويعمل قليلاً.

لبسوا ثياب أهل الايمان على قلوب أهل الزيغ والخسران، فالظواهر ظواهر الأنصار والبواطن بواطن الكفار، يقولون آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين إن أصاب المسلمين خير اغتموا وتكدروا وإن أصابهم سوء فرحوا واستبشروا.

يرى الرجل منهم بين المؤمنين في الصلاة والذكر والزهد والجهاد "وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد" ما أقبح صفات القوم وما أضل سعيهم، لقد كاد القرآن كله أن يكون حديثا عن المنافقين، لعظيم خطرهم وعموم البلوى بهم.

ما إن بدأت شوكة الإسلام تظهر في المدينة وتقوى، حتى كشر المنافقون عن أنيابهم، وأظهروا حقدهم وعداوتهم للإسلام والمسلمين، يتربصون به الدوائر ويتسللون لواذاً إلى اليهود والمشركين يأزونهم على قتال الرسول وأتباعه أزّا، يستغلون كل حادثة ويتلقفون كل شائعة لنشرها وتفخيمها بقصد البلبلة وإثارة الفتنة وتحطيم معنويات الصحابة، يتزعمهم كبيرهم الذي علمهم النفاق عبدالله بن أبي بن سلول.

ففي غزوة بدر لما استنفر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه لملاقاة عير المشركين تثاقلوا عن الخروج معه بحجة أنه لن يكون هناك قتال فلماذا يخرجون؟!

وفي معركة أحد انخذل ابن سلول بثلث الجيش المسلم بعد خروجه من المدينة ورجع بهم بحجة أن النبي أطاع الأنصار وعصاه.

أما في غزوة الأحزاب فقد كان تآمرهم خطيرا وكيدهم عظيما يسعون لتثبيط المسلمين عن القتال وتخويفهم من بأس الأحزاب يقولون "ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا".

وطائفة يفرون إلى بيوتهم "يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا". 

وطائفة ثالثة يعوقون عن القتال ويخذلون عن رسول الله ويقولون لإخوانهم هلم إلينا، وهم قابعون في جحورهم في المدينة.

وفي بني المصطلق قال ابن سلول قولته الكفرية الشهيرة "يقولون لئن رجعنا ‏إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل".

‏وكان من أخطر مخططات المنافقين أن هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم وإلقائه عن راحلته وهموا بما لم ينالوا، فلم يكن الله تعالى  ليمكنهم من ذلك "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين".

أيها المسلمون .. ‏وما ترك من مؤامرات المنافقين وحقدهم ودسائسهم ضد المسلمين عظيم، فالقوم ذووا تاريخ أسود ضد المسلمين، لا يزال شرهم وخبثهم مستمر حتى عصرنا الحاضر.

‏ولكن الله تعالى يقول: "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا".

أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه كان حليماً غفوراً.

 

الخطبة الثانية: 

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عبده المصطفى محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن اقتفى، أما بعد، فاتقوا الله أيها الناس حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى واحذروا المعاصي فإن أجسادكم على النار لا تقوى.

‏في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أربع من كن فيه كان منافقا، ومن كانت خصلة منهن فيه كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر".

‏فالنفاق عباد الله ضرره عظيم وشره مستطير، ما أمن النفاق إلا منافق، وما خافه إلا مؤمن، وقد يتصف الإنسان بصفة من صفات المنافقين، ويتلبس بخصلة من خصال النفاق دون أن يشعر أنه منافق. 

والنفاق عباد الله نوعان: نوع مُخرج من الملة، يوجب الخلود في نار جهنم، وهو النفاق الأكبر، وهو أن يظهر الإنسان للمسلمين إيمانه بالله، وهو في الباطن منسلخ من ذلك كله لا يؤمن بالله تعالى ولا بملائكته ولا بكتبه ولا برسله ولا باليوم الآخر.

ونوع لا يخرج من الملة، لكن صاحبه على خطر عظيم أن لم يتب إلى الله تعالى منه، وهو النفاق الأصغر، وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم أهم خصاله، ووضح صفاته، فقال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر"، وعند مسلم "وإن صام وصلي وزعم أنه مسلم".

 قد يصلون ويصومون ويحجون ويعتمرون، وقد يبنون المساجد وينفقون أموالهم في سبيل الله، ويتحدثون باسم الإسلام، ويشهدون الجمع والجماعات، ‏ولكنهم مع كل هذا منافقون، في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا.

‏فقد كان عبد الله ابن أبي ابن سلول رأس المنافقين في المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتحدث بين يدي رسول الله، ويدعو قومه لنصرة الإسلام، والوقوف مع المسلمين.

‏وكانوا يقاتلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا يفعلون كثيراً من الخير في الظاهر، ولكنهم في الباطن يكيدون للإسلام والمسلمين، ويحيكون ضده المؤامرات للقضاء عليه، وصدق الله الذي يقول: "ومن الناس من يُعجبك قوله في الحياة الدنيا ويُشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام".

‏أيها المسلمون ما أكثر المنافقين في هذه الأيام، الذين يعيشون على حساب المسلمين، ممن يثبطون المؤمنين عن نصرة دينهم وأمتهم، ويصورون للمسلمين ضعف قوتهم وقلة حيلتهم، وأن الكافرين هم الأقوى، ويعملون على إبعاد المسلمين عن عقيدتهم، ومبادئهم، وتعاليم دينهم، ‏بل ويتحاملون على أمتهم من خلال إصطفافهم مع العدو، بالتحريض تارةً وبالافتراء تارةً أخرى.

أيها المسلمون .. إن الإسلام باق وإن الكفر باق، فهل انقرض النفاق والمنافقون، لقد شاءت إرادة الله تعالى أن يستمر هذا التدافع ‏بين الحق الذي هو الإسلام، وبين الباطل كفراً كان أو نفاقاً، وها هي الأحداث المعاصرة كشفت عن وجوه كالحة، وقلوب مشبعة بالنفاق، أمتهم في صف وهم في الصف المخالف، فأين هم من تدنيس الحرم المقدسي؟ ، ‏وأين هم من حصار غزة؟ وأين هم من محارق المسلمين في مناطق عدة؟، للأسف إنهم مشغولون بالجار، وأذية أبناء جلدتهم، تصريحاً تارة وتلميحاً أخرى.

‏ولو كان سهماً واحداً لاتقيته .... ولكنه سهمٌ وثانٍ وثالثُ

‏أيها المسلمون .. وإن من أقسى المحن، وأعظم الجراح، وأنكأ الكوارث التي تمر بها أمتنا المسلمة وللمنافقين اليد الطولى والخيانة العظمى، فيما يقع على أرض فلسطين المسلمة، أولى القبلتين وثالث المسجدين ومسرى سيد الثقلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. ‏

اعلموا أيها المسلمون أن واجب المسلمين عظيم لنصرة إخوانهم هناك، بالنفس والمال والدعاء، ومد يد العون والمساعدة بكل ما يستطيعون من قوة ووسيلة، فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم  "والله وغالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".

‏فاتقوا الله أيها المسلمون واحذروا صفات المنافقين وأفعالهم. 

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

طباعة