خطبة جامع الإمام محمد بن عبدالوهاب الشيخ د. محمد بن حسن المريخي 9 شعبان 1438هـ الموافق 5 مايو 2017م بعنوان " أهمية العمل الصالح"

  08-05-2017
اضغط على الصورة لعرضها بالحجم الطبيعي

 الخطبة الأولى:

الحمد لله الموفق لكل خير وإحسان الحافظ من كل مكروه وإثم وعصيان، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وشريعته ودينه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد،، فيأ أيها المسلمون .. اتقوا الله تعالى ما استطعتم واشكروه على نعمه يزدكم وتفكروا في حوادث الليل والنهار وتقلبات الأوقات والأيام ودوران السنين والأعوام.

عباد الله .. إن أعظم التوفيق وأكبر المنن على العبد أن يتفضل الله تعالى على عبده فيوجهه ليعمل صالحاً بعد إيمانه بالله ورسوله.

إنها المنة الكبرى والنعمة، وخير الزاد والرصيد الحقيقي والمدخر ليوم تتقلب فيه القلوب والأبصار، ونعمت المنة وتباركت من نعمة، يفوز صاحبها بإذن الله في الدارين وتكتب له السعادة والعافية والبركة في العمر والوقت والحياة مع ما ينتظره من قرة العين في الآخرة، يقول تعالى "من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون".

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله فيقل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت" رواه الترمذي وحسنه.

إن الدنيا كلها لا تغني عن المرء شيئاً إذا لم يوفق للعمل الصالح، إن العمل الصالح الذي نعنيه هو المشروع في دين الله الإسلام الذي يكون خالصاً لله تعالى والذي يتقرب إليه العبد به إلى ربه عز وجل بعد الإيمان بالله ورسوله وهو الموافق لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يسمى العمل الصالح إلا إذا كان مشروعاً خالصاً موافقاً يعمله المؤمن الموحد، فإذا عمله الكافر فلا يكون عملاً صالحاً ولا يقبل منه لأنه لم يأت من مؤمن بالله ورسوله، يقول تعالى عن أعمال الكفرة "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا"، فلم يثب الله تعالى أبا طالب ولم يكافئه على ما عمل من رعاية للإسلام وحماية رسوله بل خلده في النار لعدم إيمانه بالله وحده وعدم إقراره برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه عمل عملاً كبيراً أيد الله به دينه وأظهره كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" رواه البخاري.

 

كما لا يسمى العمل صالحاً من المنافق لأنه لم يرد به وجه الله تعالى، يقول الله تعالى "إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا "، ويقول "والله يشهد إن المنافقين لكاذبون"، فلم يقبل من عبدالله بن أبي بن سلول صلاته خلف رسول الله لنفاقه بل أخبر بكفره وخروجه من الملة كما في قوله "لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم" وقال "وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله ورسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون".

أيها المسلمون .. لقد بشر الله تعالى عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات بكبير الجزاء وعظيم الثواب ورفيع الدرجات في ست وثلاثين آية من كتابه الكريم، بشرهم بالجنة والخلود فيها، والأمن يوم الخوف والفوز يوم يخسر الناس كلهم، وبشرهم بزيادة الفضل لهم، والوعد بالمغفرة وعظيم الثواب والأجر ورفع الحرج عنهم وهنأهم بالفوز والمقام الطيب في مستقر رحمته وبشرهم بادخار أعمالهم وحفظها لهم.

وعدهم بأن يجعل لهم مودة في قلوب الخلق فقال "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً"، واستثناهم من القوم الغاوين وحفظهم من أن يهيموا على وجوههم فيقولون ما لا يفعلون، يقول تعالى "والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً"، واعتمد الله تعالى عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأنهم خير الخليقة فقال "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه"، وهم أهل الأمن والأمان يوم يفزع الناس "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون"، والأمن حينئذ لهم خاصة من دون الناس يوم يجمع الله الخلائق في صعيد واحد في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة وتدنوا الشمس من رؤوس الخلائق ويذهب الناس في العرق كل على قدر عمله, فمنهم من يكون عرقه إلى كعبيه وإلى ركبتيه، ومنهم إلى خصره ومنهم من يبلغ عرقه شحمة أذنيه ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً فيغيب في عرقه، في هذا الموقف العصيب الشديد يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات بقوله "يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون" .

 

أيها المسلمون .. الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم أمنة لأنفسهم ومجتمعاتهم وبلدانهم لأنهم بأعمالهم الصالحة يصرف الله تعالى عن البلاد والعباد السوء والمكروه من الحوادث والكوارث والعذاب والأمراض، يقول تعالى "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" فببركتهم يبارك الله تعالى على البلاد والعباد ويحفظ الله تعالى بهم من الفتن والمحن.

إنهم أعقل العباد وأفطن من خلق الله تعالى، لأنهم أدركوا بفضل الله ومنته وفطنوا لماذا خلقهم الله فقاموا بما أوجب عليهم وهي العبادة له سبحانه، يقول تعالى "وما خلقت الجن والإنس إلا لعبدون"، فلم تشغلهم تجارة ولا دنيا ولا متاع عن عبادة ربهم عز وجل.

زكاهم الله تعالى وأثنى عليهم كما في قوله "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين"، ولو لم يكن في العمل الصالح إلا السلامة والنجاة في الآخرة لكفى به شرفاً فكيف وقد أحاط العمل الصالح بكل فضيلة وكرامة.

أيها الأخوة في الله .. العمل الصالح نجاة وسلامة وعافية، فقد فرج الله تعالى عن الثلاثة الذين دخلوا الغار فتدحرجت صخرة فسدت باب الغار عليهم فدعوا الله تعالى بأعمالهم الصالحة التي عملوها ففرج الله عنهم – والقصة مشهورة في الحديث الصحيح، وأنجى الله تعالى ذا النون من الظلمات ببركة ذكره لربه عز وجل كما قال تعالى "وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"، وقال سبحانه "فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون"، يعني أنه كان ذاكراً لربه من قبل هذا وليس في بطن الحوت فقط، وحفظ الله تعالى كنز الرجل الصالح لولديه حتى يبلغا لصلاح والدهما، يقول تعالى "وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك"، إن ملك الموت لا يستأذن أحداً في قبض روحه إذا أرسله الله تعالى فكم من إنسان مسافر في هذه الدنيا غائب فيها وفي لحظة ما حسب حسابها ولا عمل لنزولها إذا ملك الموت ينزع روحه ويتركه جثة هامدة لا حراك فيها قد ارتخت قواه ويبس لسانه وجحظت عيناه واصفر لونه.

 

كان بجوار رسول الله ركوة – جرة – فيها ماء فيدخل يده فيها ويمسح على وجهه ثم يقول: "لا إله إلا الله إن للموت سكرات"، فيغيب في السكرات وهو سيد ولد آدم ثم يفيق حتى فارق الحياة .. في مثل هذه المواقف العصيبة يأتي العمل الصالح الخالص بإذن الله ليقوم بدوره في إعانة صاحبه على الموت وسكراته والتخفيف والتبشير، ولذلك فإن الكافر إذا نزل به الموت وأدرك أنه مفارق تمنى العمل الصالح كما أخبر الله تعالى لأنه أدرك أهمية العمل الصالح وظهرت له أهميته واضحة جلية "ولا ينفع غيره ولهذا طلب العودة إلى الدنيا ليعمل صالحاً، يقول تعالى: "حتى إذا جاء أحدكم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت"، فجاء الجواب بالرفض "كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون"، فلم يتمن الزوجة ولا الولد ولا المال ولا الدنيا التي شرق وغرب فيها، لم يتمن إلا العمل الصالح فقط.

وأشد من هذا وأغرب منه هو تمني الكفار للعمل الصالح وهم يتقلبون في النار يصرخون فيها يطلبون فقط العودة والخروج من النار ليعملوا صالحاً يقول تعالى "وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل"، فيأتيهم الجواب "أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير".

أيها المسلمون .. إننا معشر المسلمين مقبلون على موسم من أعظم مواسم العمل الصالح فأروا الله من أنفسكم خيراً، إن المنة كلها من الله تعالى حين يمد سبحانه لعبده في العمر فيبلغ هذه المواسم التي يتزود منها من العمل الصالح.

إن بلوغ المواسم الخيرة منح ربانية وفرص عظيمة للنجاة والفوز لأن الله جل وعلا ملأها بالخيرات ورفيع الدرجات وبلوغ الغايات والفوز بالجنات، إن الله جل وعلا بهذه المواسم عوض الأمة عما يفوتها من تحصيل العمل الصالح وذلك لقصر أعمارها فقد كانت الأمم تعيش مدداً طويلة وأعماراً مديدة فتحصل من صالح الأعمال الكثير فعوض سبحانه أمة الإسلام بهذه المواسم لتكون في مصاف الأمم أو هي أكثر في الفوز بالعمل الصالح، فتعمل قليلاً وتثاب كثيراً فهذا شهر الصيام أيام معدودات من صامها وقامها مخلصاً لله متابعاً لرسول الله محيت خطاياه ورفعت درجاته وفاز بجنات ونهر، وهناك الحج إلى بيت الله الحرام من أداه مخلصاً متابعاً لرسول الله صلى الله عليه سلم خرج من ذنوبه فكان كيوم ولدته أمه مبرأ من كل ذنب، وهناك سائر ما افترض الله من العبادات والطاعات في هذه الشريعة الحنيفية، إنها فرصة للبناء الحسي والمعنوي إنها فرصة لتدارك ما فات المسلم من درجات ومقامات وفرصة للاغتسال من الخطايا والذنوب "هذا مغتسل بارد وشراب".

هذه والله جديرة بأن يستعد لها المؤمن بما شرع الله تعالى فسارعوا وسابقوا فيها بالعمل الصالح فإنها تنقضي بسرعة وإن الموت ليطارد كل أحد ولن يفلت منه أحد، "قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون".

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم وللمسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إن ربي رحيم ودود.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه وسار على دربه إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا أيها المسلمون .. اتقوا الله تعالى والتفتوا عباد الله فيما ينفعكم في هذه الحياة وفي الحياة الأخرى، فأنتم عباد الله مقبلون على أعظم المواسم وأفضل أيام الله شهر الصيام وأنتم في شهر شعبان شهر يغفل عنه الناس، فاعملوا عباد الله صالحا وتهيئوا لشهر الصالحات.

كونوا عباد الله من عباد الله المسلمين الذين يحرضون على طاعته سبحانه وتعالى، احرصوا عباد ا لله على ما ينفعكم في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة، وهو العمل الصالح وهو العمل بدين الله عز وجل، واحذروا عباد  الله من أن تعرضوا عن كتاب الله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد وعد الله تعالى الذين يعملون الصالحات ابتغاء مرضاته، وعدهم بحياة طيبة في هذه الدنيا والأجر الكبير في الدار الآخرة "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون".

الله الله يا عباد الله في العمل الصالح، فالإنسان يا عباد الله مهما جمع من هذه الدنيا، ومهما حصل فيها من المراتب والدرجات فإنه لابد أن يفارقها وأن يتركها وأن ينتقل إلى الدار الآخرة، فلا ينفع الإنسان في قبره بعد إذن الله عز وجل إلا العمل الصالح، فتسلحوا عباد الله بالعمل الصالح وكونوا عباد الله المسلمين الذين يسارعون إلى مرضات ربهم سبحانه وتعالى.

أسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه.

هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه كما أمركم ربكم جل وعلا في محكم التنزيل بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما".

طباعة