خطبة الشيخ الدكتور/ الشيخ محمد بن حسن المريخي بتاريخ 2017/1/6 م

  08-01-2017
اضغط على الصورة لعرضها بالحجم الطبيعي

بعنوان : إن الباطل كان زهوقاً

لينك الاستماع
 
الحمد لله أحق الحق، وأبطل الباطل وأزهقه، إن الباطل كان زهوقاً، أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً .. أما بعد
فيا أيها المسلمون اتقوا الله تعالى ما استطعتم واستمسكوا بدينه الإسلام واعتصموا بحبله المتين واعلموا أن الدنيا لن ينال سعادتها إلا من أطاع الله ورسوله ، وإن الآخرة هي دار القرار ، فسخروا الدنيا للآخرة يؤتكم الله ثواب الدنيا والآخرة .
أيها المسلمون إذا ذكرنا الحق وأهله ودرجاتهم وما أعد الله لهم في الدنيا والآخرة ، فحري أن نتعرف على الباطل وأهله حذراً منه ومن أهله ومرتعهم وعواقب أمرهم (يأيها الذين آمنوا خذوا حذركم) يقول حذيفة بن اليمان : كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه.
الباطل عباد الله هو خصيم الحق ومعارضه وهو كل أمر سيء في القول والعمل والاعتقاد والتدين والكفر والثقافة والمنهج ، وعادة للباطل لمعان وزخرفة وصولات وجولات تأخذ بقلوب قاصري النظر وأفئدة ضعاف الإيمان وألباب الحمقى والمهازيل فتجدهم يبادرون إلى الاستجابة لدعاته ورفع شعاره الهزيل وإعلاء راياته ونشر فكره المريض .
ولقد قضى الله تعالى بزوال الباطل واضمحلاله وفنائه فمنذ مبعث رسول الله والباطل مهزوم مدحور ، حتى ولو قامت له قيامة فإنها لا تلبث أن تنهار وتتهاوى ، يقول تعالى ( وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً )
أيها المسلمون كم للباطل من ضحايا وكم له من خسائر ، وكم خسر أقوام شرفهم ودينهم وأمانتهم عندما اتبعوا الباطل وكم تمنى اتباع الباطل الرجوع إلى الحق بعدما تبين لهم وبعد ما فات الوقت وذهب العمر ، يقول تعالى ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) وقال سبحانه عن فرعون عندما تبينت له الحقيقة وقد كان قائداً للباطل يرفع راياته ويدعو إلى منهجه ويقتل أتباع الحق ( حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون ) وقال سبحانه عن صاحب البستان ( وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليثني لم أشرك بربي أحداً ) ألا وإن الباطل في زماننا الذي نعيش فيه كثير جداً وله أتباع كثيرون ومؤيدون قاتلهم الله أنى يؤفكون ضيعوا حقوق عباد الله المسلمين وقتلوا الأبرياء وأزهقوا أرواحهم .
أيها المسلمون إن المرء لا يتبع الباطل إلا إذا ضل وعمى وانتكست بصيرته وغرته نفسه والدنيا وظن بالله الظنونا صاحب الباطل مبغض عند الله وعند الناس وما وجد الفساد والخراب الحسي والمعنوي إلا بوجود من يظهره ويعلي قدره ، الذين لا تهمهم إلا أنفسهم ومصالحهم وعائداتهم الشخصية ، يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ، يبغون الحال معوجاً ليبلغوا به مآربهم وغاياتهم وأهدافهم ، أهل الباطل هم أهل الفساد والإفساد ، ما خربت الديار ولا تهدمت الجدران ولا فسدت الأخلاق إلا بسعي أهل الباطل ، إنهم معاول الهدم للمجتمعات والبلدان والأمم ولهذا الأمم الفطنة لا تولي أمرها دعاة الباطل ولا تمكن لهم بل تحاربهم وتضرب على أيديهم حتى لا يفسدوا عليها أمرها ، وما فسدت الأمم إلا عندما أدار دفتها المبطلون .
إن بلاء أهل الباطل على الأمة كبير وهاهم يشرقون ويغربون ويعطلون الأمة ويعرقلون تقدمها ويخدمون أعداءها ومناوئيها ، إن الباطل يا أمة المسلمين خراب ودمار وضلال ولذلك طهر الله تعالى ونزه شريعته منه ، يقول تعالى ( وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) وذلك لأن الباطل لا مهمة له إلا معارضة الحق وعرقلته ولهذا تجد أهل الباطل أشد ملة يبغضون أهل الحق ويسعون جاهدين للنيل منهم وصرف نظر الناس عنهم والطعن فيهم واتهامهم وقطع كل سبيل يؤدي إليهم ( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم ) وهذه هي علامة صاحب الباطل أنه يبغض الحق وأهله ويسعى في طمسهم وصرف الأنظار عنهم ، تفرحه مصيبتهم وتحزنه ظهرتهم وفلاحهم ( إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط )
أيها المسلمون إن الموفق من الناس من كان مناصراً للحق معارضاً للباطل حافظاً نفسه منه ولا تخفى خسة الباطل على أحد ، الباطل أحق أن يترك ويهجر لأنه خسارة وضياع ولك أن تنظر وتقلب ناظرك في الدنيا والكون كله لترى عاقبة الباطل وأهله أياً كان نوعه وموطنه في مشارق الأرض ومغاربها يقول تعالى ( قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) ولا يليق بالعاقل الفطن أن يقتنع بأهل الباطل لأن مرافقتهم بلاء وخراب وهدم ، ولأن المصير مؤسف والعاقبة وخيمة ، وقد أخبر الله تعالى عن هذا موجهاً بني إسرائيل فقال ( أو تقولوا إنما أشرك إباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون )وإنه سبحانه لن يقبل عذر من اتبع أهل الباطل يوم القيامة فقد قدم للناس في الحياة التحذير والنذر إن الباطل وأهله خسارة يوم الدين ، يقول تعالى ( ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون ) .
أيها المسلمون من أساليب أهل الباطل وخداعهم أنهم يصورون الباطل في صورة الحق ليقبلهم الناس ويعتمدون منهجهم ولكن ليعلم المؤمنون أن الباطل لا يتحول حقاً مهما طال الزمان وقدم الليل والنهار فلن يتحول الباطل حقاً ولو زخرفوه وصبغوه بصبغة الحق ، وقد يخفى على البعض ولكن لا بد من أن ينكشف المزيف وتظهر الحقيقة وتزول الغمامة وتذهب ريحه ، والحق يفتك بالباطل حتى إذا نزل به أهلكه وأزهقه ودفنه ولذلك لا يقوى المبطلون على مواجهة أهل الحق ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ) وهذا تصوير من الله تعالى لكيفية فتك الحق بالباطل وإنه ضعيف هزيل أمام الحق إذا جاءه ونزل في مواجهته فيدمغه يعني يصيبه إصابة مباشرة لا يقوم بعدها أبداً فيدمغه سواءً في المعركة الحسية العسكرية أو الفكرية أو الثقافية أو مما يزعمون ، يقول ابن منظور صاحب اللسان : الدماغ هو حشو الرأس ( المخ ) والدمغ هو كسر الجمجمة عن الدماغ والرجل المدموغ هو الذي خرج دماغه من رأسه ومن خرج دماغه من رأسه فهو المنتهي الذي لا أمل له في الحياة أو الرجوع إلى الدنيا .
ألا يا عباد الله تأملوا هذا في واقعكم ، تأملوا وتفكروا في دعاة الباطل منذ قديم الزمن ، كم كانت لهم من الصولات والجولات والتوجهات ضد دين الله ورسله ، ثم انظروا كيف كان عاقبتهم ونهايتهم ، ذهبوا إلى النار والعذاب الأليم ( فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ) ( فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً وكنا نحن الوارثين ) ونصر الله الحق وأهله ورفع ذكرهم وأخمد الله الباطل وأهله إلى يوم الدين .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً )
طباعة