خطبة الشيخ الدكتور/ علي الشبيلي 12 من شعبان 1434هـ

  22-07-2013
اضغط على الصورة لعرضها بالحجم الطبيعي

  

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فصل اللهم وسلم على نبيا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" (النساء الآية 1).

" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" (آل عمران الآية 102).

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا" (الأحزاب الآيتان 70-71).

 

أيها الأخوة المسلمون: في عام 1929م طارت رسالة من جاوة في إندونيسيا أي قبل (84) عاماً، إلى صاحب مجلة المنار السيد رشيد رضا في سؤال عن واقع المسلمين وكيف يمكن الارتقاء به، ويمكن للمسلمين مجاراة الآخرين في سباق الحضارة مع المحافظة على دينهم الحنيف؟ وتحولت الرسالة للإجابة عنها إلى أمير البيان شكيب أرسلان  فوصلته حينما انتهى من رحلته إلى الأندلس، فكتب جواباً على تلك الرسالة وسماه: "لماذا تأخر المسلمون، ولماذا تقدم غيرهم؟".

واليوم وبعد 84 سنة يعيد السؤال نفسه للأجيال الحاضرة في ظل انفتاح عالمي وعولمة مفتوحة جعلت الناس يتعايشون عن بعد كما هو الحال في الغرب، فتعالوا نتأمل واقعنا اليوم كمسلمين كيف هو؟ أين نحن في هذا العالم؟ كيف هو تمسكنا بديننا؟ كيف هو الاعتناء بإقامة الحضارة في الدنيا؟ كيف نعيد للأمة مجدها وعزها؟ ما هو دوري كمسلم في هذه الحياة؟ إنها أسئلة مهمة تحتاج إلى إجابة بعيدة عن العاطفة والشاعرية بل فيها لغة العلم والمعرفة ورصد الواقع وتحليل المظاهر ومعرفة الأسباب وتقديم الحلول، فهلم بنا أيها المسلمون إلى ذلك العالم.

وقبل أن نظهر شيئا من واقعنا لابد من الاعتراف بأمور والاعتقاد بها لتكون مقدمة للنظر الصحيح للواقع. لابد من الاعتراف بواقعنا حلوه ومره لتكون البداية للتغيير.

أولاً: شهدت أمتنا ثلاثية الأزمات وهي:

الاستسلام: فقد شهدت القرون الأخيرة حالة من الاستسلام والهروب والضعف أصابت الأمة بالوهن.

التخلف: فقد تخلفت الأمة عن حمل الرسالة وتخلفت في كثير من الميادين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية.

الاستبداد: فوقعنا في قبضة الاستبداد (الداخلي والخارجي) الخارجي الذي مزق وحدتها وقطع أوصالها ونهب ثرواتها، وجعل منها سوقا استهلاكية لبضائع الآخرين ومركز استقبال لثقافتهم، وداخلي بأن سيطرت عليهم مجموعة من الدكتاتوريات عطلت إبداعها وأدائها وحرمتها من الإنتاج والانجاز وأصبح العمر الذهبي للإنسان (عمر العطاء والبذل) يقضى داخل السجون.

إنها أعراض انهيار ثقافي شامل وليست المرة الأولى التي تتعرض أمتنا لمثل هذا، لكنها كانت في كل مرة تعالج ضعفها وتنهض من كبوتها وهذه خاصية من خصائص أمتنا الإسلامية وهي قدرتها على معاودة النهوض، لأنها أمة حية تمرض، تضعف، لكنها لا تموت ولن تموت لأنها خير " أُمَّتِي كَالْمَطَرِ لا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ ".

ثانياً: إن ما أصابنا ويصيبنا إنما هو بسبب بعدنا عن ديننا وعدم تمسكنا به حيث أصبحنا فتنة للذين كفروا من خلال واقعنا المؤلم، لقد كان الناس في القرون الأولى يدخلون الإسلام بسبب أخلاقنا، واليوم يمتنع الناس عن الدخول في الإسلام بسبب أخلاقنا، إن هذا الدرس ربى به ربنا جل وعلا صحابة رسول الله في أحد عندما حصلت لهم الهزيمة فأنزل "أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ " سورة آل عمران الآية 165)، " وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ" سورة الشورى الآية 30)، " ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" سورة الروم الآية 41). لقد سلط الله الظالمين على العباد الظالمين لأنفسهم ودينهم والجزاء من جنس العمل، "وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ" سورة الأعراف الآية 129).

ثالثاً: إن أفضل طريقة لعلاج الواقع هي مواجهته لا الهروب منه، ينبغي أن تكون الأزمة فرصة شجاعة للاعتراف بالخطأ واتخاذ القرار، فمهاجمة الإنسان بقرار شجاع وتحد يعد أفضل طريقة للمحافظة على الوجود، بل تنميته والارتقاء به، والإنسان لم يتقدم عبر تاريخه الطويل إلا من خلال الأزمات.

أيها الأخوة: تقول الحكمة إذا هبت أمراً وقعت فيه، لكن قع فيه بعقل وحكمة لا بعاطفة وحماسة.

رابعاً: إن الأزمة حين تستفحل ويشعر المرء بضعفه وانقطاع حيلته يتعلق قلبه بخالقه، وتنصرف همته إلى طلب المعونة منه، وهذا هو جوهر التوكل على الله، وهذا التوكل يمنحه قوة وطاقة متجددة على العمل والبذل الصحيح والتضحية (ألسنا نقرأ في كتاب الله قصة إبراهيم وإيقاد النار له والبدء في إحراقه بنار تحرق مدينة، وفي هذه اللحظة والأزمة الكبيرة يأتي جبريل ويقول له ألك حاجة؟ فيقول أما إليك فلا؟ فتنقلب موازين الكون، وتتحول النار إلى برد وسلام على إبراهيم "قلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ" سورة الأنبياء الآية 69)، إن الذي جعلها بردا وسلاما هو ربنا وخالقنا وإلهنا ومدبر هذا الكون، فأين توكل إبراهيم في القلوب، لتأتي كوني بردا وسلاما؟؟

قف هاهنا أيها التاريخ خذ بيدي ... واكتب لعلك تجلو الحق للبصر (قد تُخرج الأزمة الكبرى لنا رجلا ... يهز رايتنا في ساحة الظفر).

خامساً: ينبغي للمسلم أن ينظر إلى ما نحن فيه نظرة إيجابية، لا نظرة تشاؤم ويأس، فكم وراء المحنة من منحة، والمرض ليس مصدرا للألم فحسب ولكنه مصدر لتكفير الخطايا ونيل الحسنات، لقد صحونا وبدأت نظرتنا للأمور تختلف، فلا ننظر للأمور نظرة أحادية بعين واحدة، بل وتعلمنا أن المجتمعات تبنى وترتقي بالمشاركة الاجتماعية لا الجهود الفردية المشتتة، وتعلمنا أن أي علاج يحتاج إلى تدرج لا طفرة مستعجلة، وإن الطريق الأمثل للإصلاح هو بناء الإنسان وإعداده بشكل صحيح وفق هدي الله ورسوله، لقد تعلمنا ضرورة امتلاك الحس المستقبلي للخروج من أي أزمة وإن العمل الجاد هو سبيل النجاح.

لقد أصبحنا نقرأ التاريخ اليوم قراءة هادية واعية تحكمنا في هذه القراءة سنن الله التي مضت في الذين خلوا من قبل، فكانت سببا في لعمارهم أو دمارهم، لقد علمتنا هذه الأزمة ضرورة مراجعة أنفسنا لمعرفة جوانب القوة لدينا وجوانب الضعف، لقد تعلمنا الكفاح والإصرار والتحدي والاستمرار في العطاء حتى لقاء الله "وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين" سورة الحجر الآية 99).

وبإطلالة على شخصية المسلم اليوم في ظل الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية نرى مظاهر ظهرت على شخصيته سببت له قعودا عن العمل أو تأخرا عن البذل ومن تلك  المظاهر، التحلل الذاتي، وذلك بالانفتاح غير المنضبط والقبول بالمعطيات الخارجية الجديدة دون تمحيص ولا فحص، والذوبان في الثقافات الأخرى وعدم التوازن بين الانفتاح والانغلاق، مع ضعف الصلة والثقة بالقيم الإسلامية، وضعف الارتباط بلغة القرآن، ففقد الناس عندئذ هويتهم.

ومن مظاهر الأزمة الحضارية ضعف الفاعلين فهناك، فجوة كبيرة بين أفكارنا وسلوكنا فالكلام قليل والعمل قليل مع بطء في الأعمال وكسل عند التنفيذ.

ومنها: التطرف بأنواعه الفكري والسلوكي، تطرف عسكري يكتفي بتجييش العواطف وانتقائية واضحة مع فهم خاطئ للنصوص وتفسيرها بما تهواه النفوس، وتطرف سلوكي إما إفراطا بالقسوة والشدة على النفس والآخرين، أو تفريطا بتقبيح الدين والالتزام به، ومنها عدم وجود مرجعية علمية تكون قدوة للناس في السراء والضراء فاتخذ الناس رؤوسا جهالا يوجهونهم التوجيه الخاطئ ويستغلون حماستهم الصادقة بأفكار تهورية حماسية تقودهم نحو المجهول، والعجيب أن هذه المرجعية قد تكون خلف شاشات الانترنت، فضيعت الأمة مبدأ "إن هذا العلم دين".

ومن مظاهرها النظرة التشاؤمية في تفسير الواقع مع سطحية في التفكير،  فلا يرون في العالم إلا المذابح والتقتيل لا غير، فيعيشون عندئذ ردود الأفعال فتحكم العواطف والمشاعر حسب العقول.

ومن مظاهرها: الإسقاط، أي تحمي لمشاكلنا على الآخرين، وأننا ضحية مع تضخيم نظرية المؤامرة حتى وصلنا إلى مرحلة القعود والسكون والخمول، والاكتفاء ننتظر ممن سبب لنا تلك المشاكل أن يأتي بالعلاج لنا، وصاحب ذلك عقدة الانتظار فمع كل نازلة يبحث الناس عن صلاح الدين ولا يجعل الإنسان من نفسه هو صلاح الدين، وذلك بإصلاح نفسه.

ومن مظاهرها: تقديس الأشخاص، فانتقل الولاء من الفكرة إلى الأشخاص وأصبح الناس يعودون على شخص ما نادى بقضية معينة مما أدى إلى مبالغة ضخمت الحسنات وتغافلت عن الأخطاء وسكتت عنها حتى تراكمت عبر الأزمان فصارت مصيبة كبرى.

ومما زاد الطين بلة أن بعضنا امتهن مهنة الإطراء والمديح بمناسبة وغير مناسبة بالتطبيل للانجازات وغيرها، ووصف الشخص بخصائص ومميزات غير موجودة فيه، وأصبح الحديث عن الكرامات والبركات والقعود عن العمل وانتظار الفرج والبحث عن شماعة ليعلق الأخطاء عليها، وكثرة السب والشتم للآخرين والأعداء، لقد كانت تتعطل السفن فيقرأ عليها صحيح البخاري فلا تتحرك، فيصرخ أحدهم الأسطول لا يسير بالبخاري إنما يسير بالبخار.

ومن مظاهرها: هذه الفرقة المؤلمة حيث أصبحت الأمة فرقا وأحزابا يوالون ويعادون على أفكار وأشخاص ومبادئ ولا يوالون على الحق والقيام به، وأصبح تحريش الشيطان هو الذي يعمل بيننا، ونسيت الأمة آية تقرأها صباح مساء "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" سورة الأنفال الآية 46).

هذا هو الواقع الذي وصفنا شيئا من مظاهره لم يكن وليد اللحظة ولم يحصل للأمة في يوم وليلة بل عبر سنين متطاولة شكلت فيه شخصيته هذا الإنسان المعاصر، وكان هذا الواقع نتيجة لأسباب عدة، منها:

الجهل والأمية، فجهل بشرع الله وأمر الله تعالى، بل جهل بالعقيدة الصحيحة والتوحيد الخالص حتى أصبحت تسمع وترى من يعلق أمره بقبر ويجعل ذلك المقبور سببا لحل مشاكله ومشاكل غيره بل وصل الاعتقاد ببعضهم أن هذا المقبور أو المنتظر يفعل ما يفعله رب العالمين، وكذلك جهل بالأحكام الفقهية العامة البسيطة والمطالب بها كل مسلم في أبواب الصلاة والصيام ونحوها.

ومن صور الجهل: الكسل والخمول والتراخي في البحث العلمي، مع عقم  المؤسسات البحثية أو عدم وجودها في الأصل.

ومن مظاهر الجهل العشوائية والارتجالية في طلب العلم، فلا تخصصية لديه ليسير عليها بل تشتت معرفي وعدم تخصص، ولذلك سجلت الأمية أرقاما مفزعة في العالم العربي والإسلامي، ففي تقرير المجلس العربي للطفولة والتنمية لعام 2002 ذكر أن هناك 70 مليون مواطن عربي أمي، ثلثاهم من الأطفال والنساء.

ومن الأسباب: الدكتاتورية، فانتشر ظلم الناس وبالذات الضعفاء والمساكين وآكلي الحقوق، والتسلط على الآخرين وتعبيدهم وتقديسهم للذات، والقسوة والشدة في التعامل وحرمان الشعوب من المشاركة في البناء والتعبير عن آرائها بصدق وأدب، واحتكار الرأي والصوت لجهة واحدة فقط، مع تعذيب نفسي بكل أنواعه من التحطيم للقدرات وتهميش للمبدعين والتعالي والتعامل مع الناس من أبراج عاجية وفرض للرأي بالقوة... فأي إبداع وتميز وتحضر يمكن أن يحصل في مثل هذه الأجواء.

لقد أصبح شعار الإنسان أنجو سعد .. فقد هلك سعيد.

لقد حرم المسلم اليوم الاستمتاع بقيمة العدل والرحمة والتكافل والحب.

ومن الأسباب: الضعف الاقتصادي، فنرى اليوم في واقع كثير من بلاد المسلمين فساد مالي وإداري أدى إلى نهب خيرات الشعوب وظلمها وتكوين الجماعات الحزبية والجشع والحسد وسرقة الآخرين، وظهور الرشوة والمحسوبية، فتتعقد الأمور وتصعب وتطول، فيضطر الإنسان لدفع رشاوى هي حرام وسحت، وحورب الحلال وقدم الربا بصورة جميلة وظهر الفقر في صنوف المسلمين حتى أصبح  الإنسان يعيش دهره ليوفر لقمة ليعيش فقط، فأصبح يعيش المسلم تحت ضغوطات الحياة مهينا ذليلا فلم يجد ليطور نفسه ومهاراته العصرية فيعيش مقتولا مسحوقا، وتزامن هذا مع احتكار بغيض ومنع الآخرين من العمل والإبداع أو تقييدهم ووضع العراقيل في الشروط الاستثمارية ووضع الضرائب المجحفة وتحطيم المساهمين الصغار وجعله مديونا حتى يلقى الله.

ومن الأسباب: ضعف الدور الأسري في البناء والتنمية، وعزل المرأة عن واقع الحياة، فهمشت رسالة المرأة الحضارية، وأشغلت بالموضة والاستهلاك اليومي لمنتجات الآخرين، وزج بها في أدوار لا تناسبها، وأضعف دورها في تثقيف الجيل القادم، وتربيته وتعليمه، وحرمت من الثقافة الإسلامية الراقية التي تعرفها بالخطر الحقيقي وكيفية مواجهته.

إن الجيل القوي خلفه أسرة قوية (أب قوي وأم قوية).

ومن الأسباب: الغزو الفكري، لقد تعرضت بلاد المسلمين لحرب ناعمة كانت الأفكار فيها هي السلاح الوحيد، فحصل اختراق ثقافي شوه ثقافتنا الماضية وشكك في الأحكام الإسلامية وصلاحيتها في الحياة، وشوه كذلك النظام الإسلامي وأطلق مصطلحات عدة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب بحيث أصبحت هذه المصطلحات يضرب به رأس كل من يحاول رفع أمته بأساليب مشروعة.

ومن الأسباب: تعطيل العقل وقتل الإبداع والابتكار والإتيان بجديد، وأصبح تقليد الآخرين والمحاكاة لهم هو عين التقدم، وهو والله رذيلة، لأن العبيد لا يصنعون حضارة، لا ترضي نفوس الأحرار، حتى سمعنا من بعض مفكرينا اسما ومفكريهم حقيقة أنه لا فلاح لهذه الأمة إلا باستيراد كل شيء من الآخر وبسبب هذه قامت حرب على الإبداع فالمبدع يستحق الفصل والتشريد، فأصبح الشخص لا يبادر بتعلم الجديد ويكتفي بما هو مجرب، وأصبح  العلم للشهادة والوظيفة وغير محب للقراءة ولا التخصص، ولذا رأيت الهجرة الجماعية للعقول المبدعة أين تتجه؟

ألا ليت قومنا يعلمون بأن لديهم مناجم ذهب لم تستغل بعد!!

ومن الأسباب: تدمير الأخلاق، فترى صور مذرية من الانحلال الخلقي  المحمي من الدول التي تشرف على مؤسسات وقنوات تدخل إلى الأسر والبيوتات من غير استئذان بل أصبح الفسوق والفجور فنا تقام له الدور والمعاهد وتصرف له الطاقات والأموال، وتقام له المهرجانات ويكرم أهل الفن وتوضع لهم الأوسمة، وأصبح الفن ضرورة عصرية فحصلت الكارثة في بلاد المسلمين، حيث أصبح الشخص يذهب جل وقته وماله وصحته وعمره من أجل الشهوة ولا غير، فأصبح يسافر من أجل الغناء والمشاركة في الحفلات الماجنة والأغاني الماتعة، وقد سخرت لهذا كله ترسانة إعلامية ضخمة مدعومة بأموال إسلامية أسست هذه القنوات بفكر مشبوه، روجوا لباطلهم وخلطوا معه شيء من الحق حتى يقبله الناس سخروا من الحق ورموا الدعاة بأنواع الشتم فحالوا بين الناس وبينهم، وحاربوا الحق جهرا فإذا دعي طالب علم لصيانة المجتمع والمرأة والواقع بثقت تلك الغربات بكل كلام قبيح فانقلب الإصلاح إفسادا والفساد إصلاحا والكذب دهاء والصدق سذاجة والوقاحة جرأة والأمر بالمعروف فتنة وفضول وتدخلا في شؤون الغير والمجاهرة بالمعصية حرية شخصية والاستهزاء بالدين من حرية التعبير والتفكير، وتضيق هذه الحرية عند  الجهر بالحق والدعوة إليه وتوضيحه.

لقد ذبحت الفضيلة بدم بارد تحت أقدام الإعلام ...

اللهم أصلح بنا أحوال المسلمين .. اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر.

 

الخطبة الثانية

أيها المسلمون: الإنسان بطبيعته يحب أن يعيش في الرفاه وفي الأمن، يجب أن يكون إنسانا محترم الإرادة يمارس حريته بحرية ويمارس التعبير عن التفكير، يجب أن ينتقد وأن يحاور، يجب أن يعيش حياة إنسانية رفيعة المستوى فيتمتع بمنتجات الحياة في المواصلات والاتصالات والعلاج والسكن وفي كل شيء يجب أن ينتمي إلى أمة مرهوبة الجانب ذات اقتصاد راسخ وذات قوة عسكرية ضاربة يشار إلى تلك الأمة بالبنان .. وهذا ما نراه في رجل العالم اليوم إلا أننا نحتاج إلى تقييمه إلى أمرين:

الأول: أن ما حصل له من هذا الرفاه وهذه القيم استولى عليها بالقوة والخبرة والصراع ولم توهب له ولم يتصدق عليه إنسان بها وهي رسالة لكل مسلم أن لكل مجتهد نصيب، ولو كان مجتهدا في باطل وأن الخطوة الأولى الصحيحة للحصول على حياة سعيدة أن نتغير نحن ونساهم في تغيير ما حولنا.

الثاني: أن ما يتمتع به الإنسان في الحضارات الأخرى اليوم هي متعة ناقصة لأنها فقدت أصل الحضارة وأسها وقاعدتها الصلبة إنها العقيدة الصحيحة (الدين) وذلك أن الحضارة تبنى على ثلاثة أسس (العقيدة والعلم والأخلاق) ونحن والله نملك أسسها ومبادئها ولم يبق إلا تطبيقها ونشرها للعالم.

أيها الأخوة المسلمون، إن ما ذكر من مظاهر وأسباب لوضعنا الحضاري يضيء جانبا من الواقع وهي خطة صحيحة للأمام، نحن بحاجة جد ماسة لمعرفة ما يدور حولنا، أحببنا ذلك أم كرهنا، وليست تلك المعرفة لزرع اليأس والعداء، ولكن للمعرفة والبحث عن سبيل الخلاص ونشر دين الرحمة بين العباد، ونحن عندما نبحث عن علاج فلا يمكن أن يتشكل بلحظات سخط وانتقام أو موقف يأس أو بأس ولا يمكن للعجلة والنظر القصير والاستسلام لفكرة سابقة قادرة على إخراج الأمة من أزمتها، ولذا لابد من البحث عن العلاج في مصدر لا يقبل أبدا لا آراء مفكرين عقيمة بعيدة عن روح الإسلام.

إن هذه الأمة لن يصلح آخرها إلا بما صلح بها أولها، ولم يصلح أولها إلا هذين المصدرين النورين الكتاب والسنة، لأن هذين المصدرين تؤكد لك بأن ما حدث للمسلمين لم يكن صدفة وأنه محكوم سنن وأسباب معقولة "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ " سورة الرعد الآية 11). "وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا"سورة الجن الآية 16).

ومن العلاج: الاستقامة على شرع الله عز وجل وجعل الدين منهج حياة في كل أمورنا وهذا هو الطريق الوحيد للخروج من البلاء، فالالتزام بالدين وحصول الحضارة وجهان لعملة واحدة، والتاريخ  الإسلامي يشهد بذلك. زرع روح المبادرة والتغيير الفعال وأن تكون للإنسان مساهمة في الحياة لا أن يكون كلا ينتظر من يوجهه.

تعميق الصلة بثقافتنا والمحافظة على اللغة العربية ولاشعور بأننا نملك ثقافة قادرة على نقلنا من التخلف إلى القيادة. إتقان العمل وتكثيفه والبعد عن الفوضى في كل شؤون حياتنا. رسم صورة واقعية جميلة للمسلم تدينا وخلقا وتعاملا في كل ميادين الحياة أبا ومعلما وموظفا وزوجا وجارا. الاستفادة من إيجابيات الحضارة المعاصرة وإنمائها إلى أقصة حد وطرح السلبيات التي تتعرض بالتقاليد والعقائد والعادات، وما يسيء لكرامة الإنسان. تربية الأولاد ونشأتهم تنشئة إسلامية قوية، ثم جعلهم يتوجهون إلى أنواع مختلفة من أنواع العلوم العصرية. نشر حب القراءة والتعطيش للمعرفة المستدامة فإن الله إذا استذل قوما زهدهم في العلم. إعادة روح الاجتهاد وتشجيع روح المبادرة وتوفير ظروف الإبداع في كل بيئة وإعطاء الحوافز المادية والمعنوية. معرف حقيقة الآخرين وأنها لا تخلق شيئا وإنما تستكشف سر الله في الأرض وأنها مقهورة بربوبية الله تعالى لها، ولذا تستسلم كل وسائل التقنية أمام فيضان واحد وزلزال لبضع دقائق وأن هذا الكون محكوم بسنن لا تتغير أبدا. نبذ الفرقة والخصومة على جميع المستويات، وأن يتنادى العقلاء لجمع الكلمة بدل هذه الفوضى العارمة والعصبية المقيتة. بث روح الاعتزاز في الشباب وأنه يملك مالا يملك غيره (الله حق – الرسول حق – دين حق – تاريخ عظيم)، من بين الخلفاء في التاريخ سمة خليفة مات أو قتل دون أن يشعر لموته أحد أو يأبه لموته أحد لعل سبب أنه مات مسموما بسم بطيء قتله ببطء ولذا لم ينتبه له أحد هل عرفته؟ انظر في المرآة وسترى ذلك  الخليفة!! لقد قتلوا الخليفة الذي في داخلك ولذا سهل عليهم بعد ذلك أن يفعلوا ما يشاؤوا!! فهل ستستسلم؟

لا تهيئ كفني ما متُّ بعــد ... لم يزل في أضلعي برقٌ ورعـدُ

 أنا تاريخي ألا تعرفــــه ..خالد ينبض في روحي وسعــدُ

فمتى سيعود الغريب لبلاده بانيا لا زائرا؟ متى ستنتهي عشرات السنين من الغربة ليرفع بنفسه الآذان هناك؟ "يريدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ "سورة الصف الآية 8).

اللهم صل على سيد الأولين والآخرين القائل بشر هذه الأمة بالنصر والتمكين، وارض اللهم عن حملة الراية بعده صحابته الطيبين الطاهرين ومن حمل راية الإسلام والغر الميامين ولم يخذلها إلى يوم الدين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ودمر أعدائك أعداء الدين

اللهم اجعل للمسلمين في كل مكان من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا ومن كل بلاء عافية

اللهم اجعل لإخواننا في سوريا من كل بلاء مخرجا ومن كل هم فرجا ومن كل بلاء عافية

اللهم أنزل عليهم سكينتك يا رب العالمين ونصرك العاجل غير آجل

اللهم إنا نسألك أن تحفظ داءهم

اللهم تقبل شهداءهم يا رب العالمين اللهم إنا نسألك أن تحفظ نساءهم وأطفالهم يا رب العالمين

اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار 

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

 

http://www.mediafire.com/?4uiro60el30px4g  رابط الاستماع للخطبة

 

طباعة